في ثنايا عقلي المنهك بتفاصيل الحياة، تحت تأثير تفاصيل الأحداث المتتالية، أستجمع كامل قواي ثم أتركها قيد صفحات من الأوراق المليئة المثبتة ببعضها البعض تسرد في تعرجاتها قصصًا أحداثًا وخيالًا، أجوب بها العالم من داخل غرفتي المتواضعة من على سريري الصغير، ومن هنا أسأل نفسي لماذا؟ لماذا أقرأ؟ و كيف أنتقل من كوكب لكوكب آخر بصحبة مقطورتي الصغيرة؟ وهنا تتردد الأسئلة المضادة كذلك لماذا لا يقرأون؟ وكيف يُجبرون على عيش حياة واحدة؟ كيف تنتهي بهم العزلة ويلقون عن كاهلهم ثقل هذا العالم؟
يقول العقّاد:
“أهوى القراءة لأنّ عندي حياةً واحدةً في هذه الدنيا، وحياة واحدة لا تكفيني، ولا تُحرّك كل ما في ضميري من بواعث الحركة. والقراءة دون غيرها هي التي تعطيني أكثر من حياة واحدة في مدى عمر الإنسان الواحد، لأنها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق، وإن كانت لا تُطيلها بمقادير الحساب.”
أقرأ لأن القراءة هي المجلئ، وأقرأ لأن كل يوم لا أجد شيء يحتويني كما تحتويني تلك الصفحات، أقرأ لأجلي ولأجل الحياة في آنٍ واحد، أقرأ لأرى المكتوب وأتوارى هناك في البعيد خلف القصص أقرأ لأسافر العالم ببضع دنانير صغيرةٍ أبتاع بها كتاب، ببساطة وكما أنه لا يوجد في هذا العالم سواي، أجلس على سريري ذو الغطاء السماوي، تتوسد الوسادة أسفل رأسي وأتوشح الكتاب، أفتح أولى صفحاته وترتوي نفسي بأول رشفة وكذلك أبقى تحت أثير الحكايات.
عالم الحكايات
هناك وكأنما مسرح أناظره من الأعلى تتحرك الشخصيات دونما الخيوط ولا يوجد من يحركها، وكأنني في شوارع فرنسا القديمة جالس على قمة أعلى بناءٍ يطل على كل الشوارع لا أكتفي بالنظر بل وأبتسم وأبكي وشخصيات الحكاية، قد شعرت يومًا بنفسي تحلق فوق المحيط الأطلسي لا طائرة تحويني ولا مظلة تحميني أثر السقوط كنت هناك بالفعل فوق السفينة حاملة البضاعة إلى فيينا، أتذكر العواصف التي ارتطمت بها والأيام التي قضاها بطل الحكاية على السفينة محاولًا النجاة من الأيدي الغابرة، بالفعل أتذكر أيضًا مروري بجانب الأهرامات العظيمة والوقوف بجانب برج بيزا والتقاط الصور، أشعر بالبرد في شتاء إنجلترا القارس وبالدفء بين سهول هولندا الخضراء.
لا أنسى الجديّة والفكر المتمعن في كتب التفسير أو أحداث التاريخ، تجري بي إلى عوالم العلماء والتجارب الفيزيائيين المختبر المظلم والتجارب الأولى في الفضاء الخارجي. كل يوم يُخلق في نفسي دافع لمعرفة المزيد وكلما طويت صفحة من كتاب كلما أحسست بجزءٍ مني طوي مع تلك الصفحة، أحس بعقلي وقلبي بعد إنهاء كتاب ما، رأسي مثقل بتفاصيل عميقة وكأن فيه شخص يعمل بجد لترتيب كل تلك المعلومات والأحداث والتفاصيل في رفوف كي لا أنساها.
أتسألني بعد كل هذا لماذا أقرأ؟
أود أن أسألك لماذا لا تقرأ؟ ألم تبحث عن السعادة قط؟ أو الراحة أو متعة تقليب صفحات الكتاب بعد تعب ومشقة؟
حينما أفتح كتاب؛ مشاعرٌ مرهفةٌ كثيرة أتخبط وسطها لا أدري أأبكي مع الحزين أم أفرح مع السعيد، يمتلئ جوفي بشعورٍ من الرضا الغير مشروط، وتنجلي عن قلبي هموم كنت أحسب بأنها كبيرة، أجد بين السطور حلولًا لما أنا فيه، ويكفيني بأنها تذكرني بالرحمة والعطف الساكنين داخلي.
أنا هنا في العالم الموازي للكرة الأرضية فما رأيك أيها القارئ بالانضمام، فعالم الكتاب يستقبل زواره بكل دفئ لا تخف فالباب لن يوصد في وجهك يومًا ولن تكون مضطرًا بالالتزام إلا بضميرك الحيّ.
إعداد: نادين زعرور | مراجعة: هند يونس | إشراف: مصطفى فرحات