الذكاء عند الحيوانات من أكثر المواضيع التي تثير اهتمامي لما أجده من اختلاف وتعدد في أنواعها. من الأكيد أنّ النظرة العامة للذكاء هي نظرة ضيقة جدًا ومحدودة من منظور بشري للأمور. يتوجب النظر إلى محور الذكاء على أساس أنه وسيلة تطورية تساهم في بقاء الكائن ولهذا نحن نجد أنواعًا متعددة من الذكاء بناءً على الاحتياجات البقائية لكل كائن، وهذه الأنواع ليست محدودة بما يستطيع الإنسان فعله.
طائر الغراب الكالدوني:
- في هذا المقال سأركز على طائر الغراب الكالدوني (New Caledonian crows) من حيث الذكاء وبعض الصفات التي تميزه عن بقية الطيور.
- الغراب الكالدوني ينتمي إلى عائلة الغرابيات؛ لونه أسود داكن ويتميز بصوته المعروف.
العلاقة بين الغراب والإنسان:
- قبل ٣٠٠ مليون سنة تقريبًا تفرعت شجرة الحياة بين الإنسان والغراب حيث أخذ التطور منحى جعل من بعض الكائنات ثدييات تدب في الأرض ونتج منها الشمبانزي والإنسان والبونوبو.
- وأما الفرع الأخر الذي أخذ منحى التطور هو عائلات الطيور والتي ينتمي لها الغراب اليوم.
- إذًا افترق الإنسان والغراب قبل ٣٠٠ مليون سنة تقريبًا ولكن بعض مواصفات الإنسان قد تطورت بشكل منعزل لدى الغراب أيضًا.
التشابه بين الإنسان والغراب:
- هذا يعني أن التطور أنتج مواصفات متشابهة بين فرعين بعيدين جدًا من الناحية الزمنية.
- الغراب من الطيور التي تستطيع تمييز الوجوه وتذكرها لسنوات عديدة وتستطيع التواصل فيما بينها مما يتيح لها القدرة على نقل المعلومات بشكل تراكمي عبر الأجيال.
- هي أيضًا قادرة على صناعة الأدوات واستخدامها.
- أيضاً الغراب قادر على حل بعض المعضلات الذهنية المركبة التي تعتمد على عدة خطوات مترابطة.
- وهو مثل الإنسان فيما يتعلق بموضوع الزواج إذ أن الزوجين يبقيان مع بعض مدى الحياة.
خصائص هذا الطائر الفريد:
- تمييز الوجوه خاصية مهمة جدًا عند الإنسان إذ أنها تسمح له بتحديد الأعداء من الأصدقاء وتمييز الأقرباء من الغرباء وتمكنه من قراءة نوايا من يتفاعل معهم من البشر.
- من أهم خصائص الكائنات الاجتماعية هو التواصل ومن أهم خاصيات التواصل هو تمييز الوجوه لتحديد الطرف الذي يتم التواصل معه.
- ولكن ماذا لو كانت هذه الخاصية لا تقتصر على أبناء نوعك وأنها ممتدة لتمييز وجوه كائنات آخرى؟
- الغراب من الطيور القادرة على تمييز وجوه البشر والتعامل مع صاحب الوجه بناء على ممارسته.
- مثلاً لو أن شخصًا ما اعتدى على أحد الغربان فإن الغربان الموجودة في المكان ستحفظ وجه هذا الشخص وتتذكره وتتعامل معه بعدائية كلما قابلته.
- ليس فقط أنها تتذكره وإنما تعلّم صغارها أن تخشى هذا الشخص وتحذر منه حين تراه.
الدراسات حول الغراب:
- السيد John Marzluff من جامعة واشنطن قام بدراسة معمقة حول الغربان وقدرتها على تمييز الوجوه.
- التجربة كانت كالتالي: قام جون وباحثون آخرون بارتداء أقنعة مختلفة بعد تحديد خمس أعشاش مختلفة في مدينة سياتل.
- قام واحد فقط بين الباحثين المقنعين بسرقة البيض من الأعشاش الخمس
- ثم قام فريق العمل بربط جهاز GPS و Tracker لرصد حركة الغربان المقيمة في هذه الأعشاش.
- طبعاً الغربان شاهدت الشخص الذي سرق البيض وربطت وجهه مع عملية السرقة.
- الهدف من التجربة هو متابعة ردة فعل الغربان عند مقابلة الشخص ذو القناع وثم مقابلة أبنائهم الذين كانوا صغارا في العش بعد عدة سنوات.
- لمعرفة ما إذا كان آباؤهم قد علّموهم أن يخشوا من هذا الشخص المقنع أم لا، سأعود لاحقاً لهذه التجربة..
التواصل لدى الغراب:
- الغراب لديه أكثر من ٢٥٠ نوع من الزعقات لكل زعقة منها رسالة محددة مختلفة.
- مثلاً لديه زعقة للتنبه من وجود قطة وزعقة مختلفة بعض الشيء لوجود إنسان وواحدة آخرى للتنبيه عن وجود نسر أو أحد الطيور الجارحة.
- هذه الزعقات لها نوعين فمنها العام والذي عادة ما نسمعه “واء واء واء” ومنها الخاص والذي أشبه بصوت الحمام.
الصوت الثاني “صوت الحمام”:
- يستخدم الغراب الصوت الثاني في التواصل ضمن المجموعة ويستطيع نقل العديد من المعلومات من خلال وسائله في التواصل.
- هذا يعني أنه قادر على نقل المعلومات بين الأجيال وهذه من أول علامات تطور الثقافة والأدوات.
بالنسبة لاستخدام الأدوات فإن الغراب قادر على ابتكار حلول تطبيقيه لحل مشاكلة وثم استخدام هذه الحلول. مثلًا من المعلوم لدينا أن الشمبانزي يستخدم بعض الأحجار كأدوات لتكسير بعض الأطعمة القاسية مثل: البندق والجوز، أو الأغصان في اصطياد النمل وما شابه لكن الشمبانزي ليس قادرا على ابتكار حلول غير موجودة أمامه لحل مشاكله. الغراب ليس قادرا فقط على استخدام الأدوات وإنما قادرًا أيضًا على صناعتها لما يتناسب مع احتياجاته. طبعًا نتحدث عن أدوات من أعواد الأشجار وما غيرها وليس الصناعات الثقيلة.
إعداد: ندا محمود | مراجعة: هند يونس | إشراف: محمد جودة