مِن المُعتاد أن نَذكُر دائِمًا أن مصر جمهورية عربية، حيث موقِعها الجغرافي في قلب القَارة الإفريقية، ولَكِن لَم يتم التطرُق مِن قبل بِشكل أوضَح إلى أهمية الموقع الجغرافي لِمصر، هل مصر دولة إفريقية الموقع فقط أم لا؛ يُمكِن تحديد ذلك فقط اعتمادًا على قُدرِة مصر على التكامُل مع دول الجوار الأفريقي.
– أهمية قارة إفريقيا لمصر
- لمصر مصالح هامة بالقارة الإفريقية، مثل:
1- المصالح المائية
- والمُتَمَثِلَة في نهر النيل القادم من دول المَنابِع الإحدى عشر، ويَصُب فِي دَولتي المَصَب مِصر والسودان.
– تأمِين الحدود والملاحة في البحر الأحمر
- تشترك مصر في حدودها البرية مع ثلاث دول: هي «فلسطين»، في الشمال الشرقي، و«السودان» جنوبًا، و«ليبيا» غربًا.
- ويبلغ إجمالي طول هذه الحدود 2660 كم: ١280كم مع السودان، و1115كم مع ليبيا، 265 كم مع فلسطين.
- عدم تأمين تلك الحدود المُختَلِفة يُؤدِى إلى عمليات التهريب، وتجارة السلاح، ونزوح التيارات الإرهابية (من درنة مثلًا).
- البحر الأحمر يطل عليه 8 دول منها إسرائيل لديها 0.2 ٪ من مساحة البحر الأحمر (ميناء إيلات) الذي يُسمى أيضًا بأم «الرشراش المصرية» التي احتلتها إسرائيل عام ١٩٤٩م، إريتريا تُمَثِل ١٨٪.
– عدم تأمين الملاحة في البحر الأحمر
- يُؤثِر عَلى دخل قناة السويس، وهى مَصدر أساسي للدَخل القومي.
- يُؤثِر على الاستفادة من الثقل التصويتي للدول الأفريقية.
- المصلحة الدِبلُومَاسِية «اكتساب التأييد الأفريقي في المحافِل الدَولِية».
نَجحَت مصر والكُتلَة الأفريقية، والعربية عام 1975م في استِصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، باعتبار الصهيونية أيدولوجية عنصرية. في الفترة (1991م: 1995م) أعادت ٣٨ دولة أفريقية السِفارات، والعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وعُرِفَت باسم «الهرولة الأفريقية». ٢٦ دَولة أفريقية صَوتت لِصالِح إسرائيل، وتَم إلغاء القرار السابق، واعتِبار الصهيونية أيديولوجية غير عنصرية.
2- المصالح الاقتصادية
- تُعتَبر أفريقيا مَصدرًا أساسيًا للمواد الخام النفيسة، والاستراتيجية، والمَوارِد الزراعية والحيوانية، التي يُمكن لِمصر أن تعتَمِد عليها في دَعم صِناعتها: المدنية، والعسكرية، وسَد جانِب كبير من الفجوة الغذائية فيها.
- فأفريقيا تَمتَلِك ما يَقرُب مِن 31% مِن احتياطِي الثروات المعدنية في العالم.
- وتُعتَبَر القارة مِن أهَم مُنتِجي اليورانيوم. ساحل العاج (40٪ من كاكاو العالم) ليبيريا بحر مِن الألماس، أنجولا كل معادن العالم، جنوب أفريقيا أكبر مصدر للمعادن.
- 1.2 مليار نسمة يَعيشون في أفريقيا وذلك للأسباب الآتية:
1- سوق قريبة.
2- تَكلِفة النقل رخيصة.
3- سوق متنوعة في المَواسِم المُختلِفة.
4- أسواق مُتنوعة في الأذواق.
– تطور الدور المصري:
- لَم يَكُن الدور المِصري في أفريقيا وَلِيد السنوات الأخيرة، بَل كانت أصوله منذَ فجر التاريخ:
1- في العصر الفرعوني:
- ارتَبطَت مصر تاريخيًا وحضَاريًا بِبُعدَها الأفريقي.
- إذ تَظهر نُقوش مَعبد الدِير البَحري بِمصر الصِلات القَوية للمَلِكة «حتشبسوت» مع بِلاد بونت.
- كَما بَدأت مصر في استكشاف كل سواحل أفريقيا بالأسطول التجاري للملِك نخاو، فِي أول رِحلة بَحرية طافت حول القارة، للتعرُف على سواحلها، والكَشف عَن الطُرق التجارية.
- كما خَضعت الحَبشَة للحُكم المَصري فِي عَهد المَلِك «بيبي الأول».
2- في العَصر القبطي:
- نُشِرَت المَسيحية في إثيوبيا عِبرَ الكَنيسة الِقبطية المَصرية، بَعد إنشاء الكَنيسة الأرثوذكسية، ولِمُدة تَزيد عن ١٦٠٠عام كانت كنيسة مصر تُعين مطران الكنيسة الإثيوبية، حتى الانفصال في عَهد «عبد الناصر» رَسميًا ولَكِن مَا زالت السُلطة الرَوحية فِي يَد البابا ماتياس الرابع، فَعِندما جَاء لِزيارة مِصر قَابله سكرتير البابا.
3- في العَصر الإسلامي:
- اكتسَبت العِلاقات المصرية الأفريقية بُعدًا جديدًا في العصر الإسلامي؛ نَظرًا لِدور الأزهر الشريف فِي نَشر الإسلام، وتَدريس علوم الدِين لأبناء القَارة، وتُوجَد فِي الأزهر أروقة من دارفور «الفور»، رواق «التكرور» مَالي وغَرب أفريقيا. ٦٥٪ من طُلاب مدينة البعوث الإسلامية أفارقة.
4- فِي العَصر الحديث:
- سَعى محمد عَلِي وخلفاؤه لِتأمِين أسباب الحياة فِي مصر، والتوَسُع فِي مناطِق امتدادها الطبيعي، باجتياز حَاجِز الشلالات العليا، لكشف النقاب عَن منابِع النيل، ودِراسة الأوضاع الجغرافية، والأحوال المناخية لحوض النِيل، وإقامة علاقات وثيقة مَع سُكان وَادى النيل فِي أقصى جَنوبه.
كانت مِصر عِبر تَاريخها الطويل، ولا زالَت إلى الآن مطمعًا للكثيرين؛ بِسبب مَوقعها الجُغرافِي المُتَمَيز، المُسيطِر على كافِة طُرق التجارة، ممّا جَعل الغُزاة يَطمعُون فِي الاستيلاء عليها، وعَلى ثَرواتِها، خَاضَت مصر الكثير من الحروب لحماية حدودها: البرية والبحرية، بداية من حروبِها مع الهِكسوس فِي عهد الفراعِنة وحتى الآن، قامَ كَثير من حُكام مصر على مر التاريخ بِحماية حدودها، وثرواتِها والعمل عَلى تَحقيق نَهضتها وتَقدُمهَا فِي مُختَلَف المجالات؛ لِذَلِك تَطورت العلاقات المصرية بالدول المجاورة؛ مِمّا أدَى إلى نَشر السَلام فِي المَنطِقة العربية إن لَم يَكُن مَنطقة شَمال أفريقيا كُلَها.
مراجع
د. أيمن شبانة الدور المصري في أفريقيا ، معهد البحوث والدراسات الإفريقية.
إعداد: هدير حسن | مراجعة: سماء إبراهيم، هند يونس | إشراف: محمد جودة