تَدُور عقارب الساعة يمينًا ويسارًا، مخلفةً ورائها إما تفاصيل صغيرة محسومة بثواني وأيام. أو كبيرة تتعدها إلى حقبٍ وأزمان، لتحيا معها أمم، وتموت معها أخرى فهذه سُنة الحياة نتكاثر ونفنى. غير أننا جُمِعنا تحت سقفٍ واحد تشابهت فيه غريزتنا الفطرية على اختلاف توجهتنا وعقائدنا ألا وهو: حب الوجود. ونسعى إلى نروي ذلك الحب، باستقامته ومن ثم كماله وأخيرًا استمراره، فكيف ذلك؟! وما علاقته بنظام الأبوة والبنوة، هذا ما سنتعرف عليه الآن.
خطوات سقاء حب الوجود والوصول إلى الورقة الرابحة
الخطوة الأولى: استقامة الوجود
- يبدأ مشوار البذار من ذاتك الداخلية لتخوض معها أولى خطوات التخصيب في محاولة منك لأن تشكل تُربةً خصبة في جوف أحشائك.
- فتبدأ بالبحث عن كل خصلةٍ سلبية في ذاتك سواء كانت خبيثة أم حميدة الانتشار في روحك التي لَرُبما وصل تأثيرها إلى جسدك وأعضائك.
- وما إن تجدها تباشرُ بعدها بالتمرس والتمرن على خوض غمار الحياة بمعزل تدريجيٍ عنها.
- ليكون بادئ الأمر مقدار العزل خَصيلة واحدة أو اثنتين على الأكثر.
- ولا أستهجن أن يكون المقدار الزمني في البداية محدودًا أيضًا، وبفعل عمليات المد والجزر المتكررة بين رئتيك وقفصك الصدري.
- تتسع رقعة قلبك لنفس أطول تحبس معه أكبر قدر من المذموم غير المرغوب به.
- لتطردها حتمًا مع أول زفير، لتتجرع بعدها هواء أنقى وأصفى، تستنشق منه استقامة حالٍ منعشة.
- تعينك للإنطلاق بثبات نحو المرتبة التالية من الحب وهي كمال الوجود.
الخطوة الثانية: كمال الوجود
- بعد ارتواء قفصك الصدري جرعات هواء نقية الفعال، وطيبة الخصال، ارتقت بها إلى أعمال مستقيمة الحال.
- صار لازمًا عليك مضاعفة الجهود أكثر من خلال قيامك بفعالٍ وأعمال صالحة منزوعة السلبية منذ البداية وهذا ما يسمى “بالعمل الصالح”.
- والفارق بينه وبين الاستقامة بأن الثانية تتطلب إصلاح عادة سلبية، ليكون المسمى الأكبر لهذا الفعل”طاعة”.
- فبالطاعة استقامة، وبالعمل الصالح سعادة، غير أن تلك السعادة تستوجب الإنجاز بكثافةٍ تتعدى حدود ذاتك.
- ليصل أثرها غيرك بمعنى أن ترى البذل والتضحية بريق لمعانٍ واضح في تصرفاتك.
وبعد أن سَلِمنا بفعل الاستقامة وسُعدنا بفعل العمل الصالح يبقى أن نروي غريزتنا الفطرية المعتطشة بماء حب استمرار الوجود. فيكف سنستمر وسُنة الكون الوجود والفناء؟ هذا ما سنجيب عليه بالخطوة الثالثة.
الخطوة الثالثة: استمرار الوجود
في الحقيقة إن استمرار الوجود مرهون بتربية الأبناء تربية خُلُقية رفعية. تحتاج منك ملازمة لهم، وأن تفرغ من وقتك جزءً لهم على أن تضع نصب عينك الأمور التالية:
- إكرام الأبناء، بمعنى إشباع حاجاتهم النفسية، فلا مانع من اللعب معهم، أو مخالتطهم ترفيهيًا وفكريًا بمستوى عقولهم.
- بشكل يضمن تحويل العلاقة بين الطرفين من احترام إلزامي إلى محبة قلبية ذات استدامة أعلى.
- العدل في المعاملة حتى في صغائر الأمور والفعال، كالدغدغة، والقُبل، وحتى الابتسامة.
- الإحسان إلى الأبناء وبتحقق ذلك المفهوم من خلال زرع المبادىء الأساسية – التي لاتحتمل التغير- وتثبتها في نفوسهم “الحلال والحرام”.
- ومن ثم بيان الأمور الجائز التساهل فيها بحسب الزمان، والمكان.
- فبعض الأشياء قد تكون صالحة لهذا الزمن والبعض الآخر لا والعكس صحيح – ربوا أبناءكم لزمانٍ يصلح لزمانهم-.
- أعينوا أولادكم على البر وخذوا بأديهم للفلاح، شاركوهم أنشطتكم المهنية ومن ثم حفزهم إما معنويًا أو ماديًا.
بناء علاقات سوية بين الآباء والأبناء:
- بناء علاقة مرابحة متبادلة بين الطرفين بحيث يكسب الطرفان من وجود الآخر.
- وهذا يتطلب أن يساوي الأهل بمقدار الاهتمام في دنيا أبناءهم وآخرتهم.
- فمثل ما يهم الوالدين صحة، ونبوغ ولدهم علميًا، مهمٌ أيضًا بناء صلة قوية بين الولد والله جل في علاه.
- من خلال تتبع الولد ومراقبته لتقويم وتعديل ما هو سلبي وتعزيز ما هو ايجابي.
- فبذلك تضمن الورقة الرابحة فكل عملٍ صالح ينشأ من ولدك وأتباعه يضاف إلى رصيدك يوم القيامة.
- استجوابًا لقوله تعالى”وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ”.
- غير أن فعالية الأبناء في الأعمال الصالحة وجديتهم نحو الأمور مرهونٌ بأسلوب النصح والعطاء المقدم لهم.
- فكلما كان هناك توارن يراعي الشمولية في إشباع الحاجات الدينية والدنيوية بعيدًا عن التخويف والشدة، زاد الشغف نحو الاستمرار وتقديم الأفضل.
فكل تلك الخطوات تعمل بشكل شبكي متكامل، على أن تأخد كل مرحلة متسعها الكافي. للاستقرار في نفس الإنسان وفق نهج تسلسلي يراعي الشمولية في اشباع الغرائز الفطرية. في نظام الأبوة والبنوة وهذا لن يأتي من فراغ وإنما لأن بني البشر لن يبقى لهم من ورقة رابحة في هذه الدنيا غير أولادهم. الذين يشكلون قرة عين لهم في الحياة وبعد الممات وصدق رسول الله عندما قال”إن أولادكم من أطيب كسبكم”.
إعداد: أمل صدقة | مراجعة: هند يونس | إشراف: محمد جودة